مدائن التراث.. عمرانُ الأرض وعنوانٌ للدعوة إلى المواطنة الخالصة

كتب السفير الموريتاني في السعودية، الوزير السابق المختار ولد داهي، إن مدائن التراث تحولت منذ 2021 من مهرجان ثقافي إلى مشروع وطني للتنمية وصون التراث، بإشراف مباشر من رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، عبر تمويل مشاريع خدمية حسّنت ظروف العيش في المدن التراثية الأربع.

 وأضاف أن التظاهرة أصبحت منبرًا لترسيخ المواطنة الخالصة ومحاربة التراتبية الاجتماعية، مشيرًا إلى أن خطاب وادان 2021 أسّس لبرامج كبرى مثل “الإنصاف” و“تآزر”، معربًا عن ثقته في تميّز نسخة وادان 2025 وربطها المستدام بين التراث والتنمية.

النص:

بسم الله الرحمن الرحيم

مَدائِنُ التراث..عُمْرَان للأرض وعِنوانٌ للدَّعوةِ إلَى  المُواطَنة الخَالِصة.

تبدأ يوم الجمعة 19 دجمبر 2025  بمدينة "وادان"  فعاليات النسخة الرابع عشرة من "مدائن التراث" الذى يمثل أكبر "لقاء علمي و تراثي و فني و تنموي" يُنظّم  بموريتانيا سنويا و دوريا و بإشراف سامٍ و منتظم من رئيس الجمهورية  بإحدى المدن الأربعة المصنفة تراثا علميا من طرف اليونسكو (شنقيط-وادان -ولاته-و تيشيت).

و  اللافتُ للانتباه أنه منذُ حَمْلِ   الرئيس محمد ولد الغزوانى  أمانة رئاسة الجمهورية   و خصوصا متذُ نسخة وادان 2021  لبس المهرجان لَبوسا تنمويا ملحوظا إذ تُخصّصُ  للمكونة التنموية كل عام و لكل مدينة مضيفة للمهرجان أربعة مليارات أوقية قديمة فى المتوسط تُنفَقُ على أولويات تنموية يتم تحديدها و ترتيبها بالتشاور المباشر و  غير المباشر  من خلال آليتَيْن أولاهما: اللقاء مع السلطات المحلية ( السلطات الإدارية المختصة ترابيا -العمد و/أو العُمد و النائب و المستشارون الجهويون ذوو الصلة بالمقاطعة) و ثانيهما التشاور بشكل مباشر موّسع عبر  عرض "دفتر الأولويات التنموية"  للنقاش و الإثراء فى اجتماع مفتوح للساكنة يرأسه الوزير المكلف بالثقافة.

و بعدَ   اكتمال دورة استفادة المدن التراثية  العالمية الأربعة من تنظيم نسخة من مدائن التراث مع مكونة تنموية فالاحتمال الراجحُ أن  مدائن التراث أضحى عمرانا للأرض آيةُ ذلك أن أغلب المستعجلات التنموية بتلك المدن قد تمت تلبيتها و خصوصا النفاذ الشامل للماء الشروب و الكهرباء و التغطية الكاملة بالمدارس و المرافق الصحية و "فكُّ العزلة الرقمية"أضفْ إلى ذلك تثمين التراث المحلي و تأهيل الأحياء التراثية و صيانتها و تمويل مقاولات محلية جمعوية  صغيرة و متوسطة بغرض تثبيت السكان بهذه المدن التراثية.

و الراجحُ أيضاً أن ساكنة المدن الأربعة راضون عن اللبوس التنموي للمهرجان بعد أن أبدوا -سرا و علانيةً- تذمرهم من أن النسخ  الأولى من المهرجان كانت أقرب إلى تظاهرات كرنفالية ترهق الساكنة بوِفَادة و ضيافة رواد المهرجان حتى إذا اختُتم المهرجان لم يترك أيَّ أثر و بقيتْ الساكنة على فقر و إملاق و شح فى المرافق العمومية الخدمية مما يُرغم  بعض السكان على "الفرار إلى المدن الأقرب".

و علاوة على كون مدائن التراث عمرانا للأرض فقد دأب رئيس الجمهورية على اتخاذ منبر مدائن التراث  ابتداء من "نسخة مدائن التراث-وادان 2021"سانحة للدعوة إلى "المواطنة الخالصة" و القطيعة مع أوهام  "جاهلية التراتبية" المخالِفة للشرع الإسلامي،الضارة بالوحدة الوطنية و المُعيقة للتطور التنموي المنشود.

و تنزيلا لمقاصد"  خطاب وادان 2021" أعطيت التوجيهات الرئاسية  للحكومة مباشرة  بعد اختتام المهرجان بإعداد خطة وطنية متعددة القطاعات أتذكر أني  أحد الذين اقترحوا  تسميتها "إنصاف" تأسيسا على المقصود من خطاب رئيس الجمهورية من إعلاء قيمة "الإنصاف" الذى يقصد به إعطاء الأولوية للذين هم أقل حظا "ماديا أو معنويا" نظرا "لإرث اجتماعي" غَابِن و ظالم و لمْ تعدْ الأيامُ أيامُه.

و  تساوقا مع ارتدادات خطاب مدائن التراث-وادان 2021 انعقد مؤتمر استثنائي لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم من قراراته تسمية الحزب بحزب "الإنصاف" بما يُمثل رسالة قوية بأن" الكلمة -المفتاح " و "اللحن المُميِّز " للمشروع المجتمعي المنشود :" الإنصاف".

و تتالت دعوات رئيس الجمهورية بكل نسخة من مدائن التراث (تيشيت-ولاته -جوَلْ-شنقيطي)من أجل "القطيعة التامة مع كوابح التراتبية و الشرائحية" كما كان الخط الناظم لأغلب السياسات العمومية هو الانحياز للفئات و المناطق الأقل حظا فى التنمية (كامل تدخلات تآزر-المدرسة الجمهورية- إعداد السجل الاجتماعي- مضاعفة عدد المُؤَمنين بالصندوق الوطني للتأمين الصحي بما يقارب 600.000 فرد مُؤَمَّن من المنتسَبين للسجل الاجتماعي-،..

و لا أستبعد أن يؤكد رئيس الجمهورية بخطابه  الافتتاحي لمدائن التراث -وادان يوم الجمعة 19 دجمبر  إلى تطهير الأذهان و القواميس الوطنية من "الإرث الاجتماعي السلبي" و هي دعوة تكرارُها  مفيد و تأكيدٌ و رغم الجهد الحكومي المبذول و الذى نوهت به أعلاه فإنه من المتعين تحيين خطة "الإنصاف" متعددة القطاعات الحكومية التى أعدت خلال المأمورية الأولى لرئيس الجمهورية  بما يتساوقُ مع الانتقال من "التعهدات" إلى "الطموحات"و بما يقطع ألسنة  بعض القائلين المتعجِلين لثمار دعوات الرئيس للقطيعة مع "الجاهليات الاجتماعية.

كما أن الاقتراح قد يكون واردا باستحداث جائزة سنوية تسمى جائزة "التآزر" تُسلّمُ بمناسبة افتتاح  كل نسخة من " مدائن التراث" وتُمنحُ للشخصيات الطبيعية و المعنوية التى تؤدى أعمالاً جليلة من شأنها إعلاء قيم الإنصاف  و التآزر و الرفع من أهلية الفئات المغبونة و "إِماطةُ باطل و أذى" الإرث و الجاهليات الاجتماعية " تشجيعا للتنافس  الإيجابي فى هذا الخير و سعيا إلى شدِّ عضد الأقوال بأخيها الأفعال.

و أختم بثقتي المؤكّدة بأن النسخة الحالية من مدائن التراث ستكون أكثر تميزا من كافة سابقاتها اعتباراً بأن الفريق -كامل الفريق- المشرف على النسخة برئاسة الوزير المكلف بالثقافة الدكتور الحسين جامعون بين الخبرة المبرّزة و التجربة الراسخة و الطموح العالي لتألق "مدائن التراث"  تنظيما و مضمونا علميا و ثقافيا و فنيا و تنمويا،…

السفير المختار ولد داهي